المقَّري التلمساني
الجزائري ودمشق في كتاباته ـــ د.فورار امحمد بن لخضر(*)
سطع
نجم المقري، في حقبة عصيبة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية، في نهاية القرن
العاشر الهجـري، «وهي فترة تمثل مرحلة الاحتضار في الحضارة العربية الإسلامية،
ولقد جاء في قمتها، إذا كان ممكنا أن تكون للاحتضار قمة، أما بدايتها فقد سبقته
بسنين عديدة، يمكن أن نقدرها بثلاثة قرون من الزمان»([1])، فهو ذو
علم كبير وثقافة واسعة؛ حيث برز في الفقه وأصوله ورواية الحديث، والتاريخ
والأدب...
ليس
من السهل في زمن أفلت فيه نجوم الحضارة الإسلامية أنْ يَذيعَ صيتُ رجل من المغرب،
بل ويقرّ له معاصروه بعلو كعبه «في الفقه وأصوله، وفي الحديث وعلوم القرآن وفي
العربية وعلومها»([2])،
ويكفيه فضلاً وفخراً أنَّ أبا الحسن عليا الخزرجي الفاسي الشهير بـ«الشاحي»، لما
سمع بعزمه على الارتحال عن الوطن أرسل إليه هذه الأبيات يرجوه فيها البقاء، يقول([3]):
كان
لهذه الأبيات تأثير قوي ووقع نافذ في نفس المقّري إلاَّ أنَّه اختار الرحلة إلى
المشرق، وبخاصة الحجاز، وكان ذلك سنة سبع وعشرين وألف للهجرة، وهناك من يرد ذلك إلى
الفتن والاضطرابات السياسية، وهناك من يرجح سبب سفرته هذه لأداء فريضة الحج.
كان
للمقّري في رحلته هذه ما أراد، وله في بلاد المشرق العربي صولات وجولاتٌ، سنحاول
توضيحها في هذا الموضوع الموسوم بعنوان: المقري ودمشق في كتاباته.
1 ـ
مولد المقّري ونشأته:
تشير
المصادر والمراجع التاريخية والأدبية أنَّ نسب المقّري ينتهي إلى أسرة عربية
قرشية، استقرّ بها المقام في مدينة «مقّرة» بالزاب الجزائري، ثم رحلت بعد فترة إلى
مدينة تلمسان حاضرة مدائن الغرب الجزائري آنئذ.
هو
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي العيش
بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي المقري
التلمساني([4]).
أما
شهاب الدين، فيبدو أن العلماء شُبهوا بالشهب لأنهم كواكب الأرض، من حيث إضاءتهم
طريق الهدى لمن ضل سبيلا، ومن بين أولئك العلماء الهادين شهاب الدين المقري([5]).
وأما
أبو العباس فإن محمد بن عبد الكريم، يرى أن هذه كنية شرفية حظي بها المقري لأنه ذو
شخصية بارزة، وجل من اسمه أحمد من العظماء والعلماء يكنى بـ «أبي العباس»، ثم إنه
لا يوجد نص صريح يثبت أن له ولداً([6])،
وسنوضح فيما بعد بما توفر من نصوص جديدة هل للمقري ولد؟
ورغم
اختلاف الجغرافيين والمؤرخين في ضبط نسبه «المقري» أهو بفتح الميم وتشديد القاف
«المَقّري»، أو بفتح الميم وسكون القاف «المَقْري»؟
إلاَّ
أنَّ الراجح هو الأول ذلك أنَّ «المقّري» نفسه كان يضبط اسمه في كثير مـن المواضـع
في كتابه «نفح الطّيب» بتشديد القاف([7]).
والمقَّري
نسبة إلى قرية «مقَّرة»، وتقع بين بريكة والمسيلة، تبعد عن المسيلة بنحو تسعة وخمسين
كيلومترا شرقا وعن بريكة بنحو أربعين كيلومترا شمالا، وقد ذكرها الحميري بقولـه:
((بينها وبين المسيلة من بلاد الزاب مرحلة، وهي مدينة صغيرة وبها مزارع وحبوب، ومن
مقّرة إلى طبنة مرحلة))([8])،
ويعرفها الإدريسي بنفس التعريف([9]).
والقـرشي
نسبة إلى أسرة عربية كانت تسكن قرية مقَّرة، اشتهرت بالجاه والثـراء والعلم الذي وصفه
في كتابه، وبرز منها: جده الأعلى أبو عبد الله المقري الذي يصفه بالقرشي (ـ 759
هـ)، وقد خصص له ترجمة طويلة تقدّر بمئة صفحة([10])،
وعمه سعيد المقري شيخه ومفتي تلمسان، أخذ عنه أغلب معارفه، وذكره كثيراً في
كتاباته.
والتلمساني
نسبة إلى مدينة تلمسان التي أصبحت مستقراً ملائماً، ومقاماً محموداً لأسرة بني
العباس التي غدت تتمتع هناك بسمعة طيبة واحترام تام وسيرة مرضية، وصيت عم جميع
أنحاء العالم الإسـلامي، لأنها كانت مبعث علم غزير ومنبع ثقافة متينة، قد ورثها
الصغير عن الكبير، وتواصلت حلقاتها من السلف إلى الخلف([11]).
ولد
المقري بتلمسان سنة ست وثمانين وتسعمئة للهجرة، على أرجح الآراء([12])،
ونشأ بمسقط رأسه تلمسان في كنف والده، يقول في نفح الطيب: ((وبها ولدت أنا وأبي
وجدي وجدُّ جدي، وقرأت بها ونشأت إلى أن ارتحلت عنها في زمن الشبيبـة إلى مدينـة
فاس سنة 1009))([13]).
نهل
المقري في مسقط رأسه من المعارف الكثيرة على جملة من العلماء والفقهاء وكان أشهرهم
عمُّه «سعيد المقّري»([14])
الذي يعدُّ ـ بحق ـ فقيه تلمسان وعالمَها ((ومن جملة ما قرأ عليه القرآن الكريم،
وصحيح البخاري، وروى عنه الكتب الستة بسنده عن الإمام أبي عبد الله التنسي، عن
والده محمد بن عبد الله التنسي عن عبد الله بن مرزوق عن أبي حيان، عن أبي جعفر بن
الزبير، عن أبي الربيع، عن القاضي عياض بأسانيـده المذكـورة في كتابه «الشفا في
التعريف بحقّ المصطفى» ودرس أيضا الأدب والفقه المالكي))([15]).
الجزائري ودمشق في كتاباته ـــ د.فورار امحمد بن لخضر(*)
سطع
نجم المقري، في حقبة عصيبة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية، في نهاية القرن
العاشر الهجـري، «وهي فترة تمثل مرحلة الاحتضار في الحضارة العربية الإسلامية،
ولقد جاء في قمتها، إذا كان ممكنا أن تكون للاحتضار قمة، أما بدايتها فقد سبقته
بسنين عديدة، يمكن أن نقدرها بثلاثة قرون من الزمان»([1])، فهو ذو
علم كبير وثقافة واسعة؛ حيث برز في الفقه وأصوله ورواية الحديث، والتاريخ
والأدب...
ليس
من السهل في زمن أفلت فيه نجوم الحضارة الإسلامية أنْ يَذيعَ صيتُ رجل من المغرب،
بل ويقرّ له معاصروه بعلو كعبه «في الفقه وأصوله، وفي الحديث وعلوم القرآن وفي
العربية وعلومها»([2])،
ويكفيه فضلاً وفخراً أنَّ أبا الحسن عليا الخزرجي الفاسي الشهير بـ«الشاحي»، لما
سمع بعزمه على الارتحال عن الوطن أرسل إليه هذه الأبيات يرجوه فيها البقاء، يقول([3]):
أشمسَ الغَرْبِ حَقَّا مَا سَمِعْـنَا | | بِأَنَّكَ قَدْ سَئِمْتَ مِنَ الإِقَامــَهْ |
وَأَنَّكَ قَدْ عَزَمْتَ عَلَى طُلُوعٍ | | إِلَى شَرْقٍ سَمَوْتَ بِهِ عَلاَمــَهْ |
لَقَدْ زَلْزَلْتَ مِنَّا كُلّ َ قَلْــبٍِ | | إِلَى شَرْقٍ سَمَوْتَ بِهِ عَلاَمَـهْ |
كان
لهذه الأبيات تأثير قوي ووقع نافذ في نفس المقّري إلاَّ أنَّه اختار الرحلة إلى
المشرق، وبخاصة الحجاز، وكان ذلك سنة سبع وعشرين وألف للهجرة، وهناك من يرد ذلك إلى
الفتن والاضطرابات السياسية، وهناك من يرجح سبب سفرته هذه لأداء فريضة الحج.
كان
للمقّري في رحلته هذه ما أراد، وله في بلاد المشرق العربي صولات وجولاتٌ، سنحاول
توضيحها في هذا الموضوع الموسوم بعنوان: المقري ودمشق في كتاباته.
1 ـ
مولد المقّري ونشأته:
تشير
المصادر والمراجع التاريخية والأدبية أنَّ نسب المقّري ينتهي إلى أسرة عربية
قرشية، استقرّ بها المقام في مدينة «مقّرة» بالزاب الجزائري، ثم رحلت بعد فترة إلى
مدينة تلمسان حاضرة مدائن الغرب الجزائري آنئذ.
هو
شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي العيش
بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي المقري
التلمساني([4]).
أما
شهاب الدين، فيبدو أن العلماء شُبهوا بالشهب لأنهم كواكب الأرض، من حيث إضاءتهم
طريق الهدى لمن ضل سبيلا، ومن بين أولئك العلماء الهادين شهاب الدين المقري([5]).
وأما
أبو العباس فإن محمد بن عبد الكريم، يرى أن هذه كنية شرفية حظي بها المقري لأنه ذو
شخصية بارزة، وجل من اسمه أحمد من العظماء والعلماء يكنى بـ «أبي العباس»، ثم إنه
لا يوجد نص صريح يثبت أن له ولداً([6])،
وسنوضح فيما بعد بما توفر من نصوص جديدة هل للمقري ولد؟
ورغم
اختلاف الجغرافيين والمؤرخين في ضبط نسبه «المقري» أهو بفتح الميم وتشديد القاف
«المَقّري»، أو بفتح الميم وسكون القاف «المَقْري»؟
إلاَّ
أنَّ الراجح هو الأول ذلك أنَّ «المقّري» نفسه كان يضبط اسمه في كثير مـن المواضـع
في كتابه «نفح الطّيب» بتشديد القاف([7]).
والمقَّري
نسبة إلى قرية «مقَّرة»، وتقع بين بريكة والمسيلة، تبعد عن المسيلة بنحو تسعة وخمسين
كيلومترا شرقا وعن بريكة بنحو أربعين كيلومترا شمالا، وقد ذكرها الحميري بقولـه:
((بينها وبين المسيلة من بلاد الزاب مرحلة، وهي مدينة صغيرة وبها مزارع وحبوب، ومن
مقّرة إلى طبنة مرحلة))([8])،
ويعرفها الإدريسي بنفس التعريف([9]).
والقـرشي
نسبة إلى أسرة عربية كانت تسكن قرية مقَّرة، اشتهرت بالجاه والثـراء والعلم الذي وصفه
في كتابه، وبرز منها: جده الأعلى أبو عبد الله المقري الذي يصفه بالقرشي (ـ 759
هـ)، وقد خصص له ترجمة طويلة تقدّر بمئة صفحة([10])،
وعمه سعيد المقري شيخه ومفتي تلمسان، أخذ عنه أغلب معارفه، وذكره كثيراً في
كتاباته.
والتلمساني
نسبة إلى مدينة تلمسان التي أصبحت مستقراً ملائماً، ومقاماً محموداً لأسرة بني
العباس التي غدت تتمتع هناك بسمعة طيبة واحترام تام وسيرة مرضية، وصيت عم جميع
أنحاء العالم الإسـلامي، لأنها كانت مبعث علم غزير ومنبع ثقافة متينة، قد ورثها
الصغير عن الكبير، وتواصلت حلقاتها من السلف إلى الخلف([11]).
ولد
المقري بتلمسان سنة ست وثمانين وتسعمئة للهجرة، على أرجح الآراء([12])،
ونشأ بمسقط رأسه تلمسان في كنف والده، يقول في نفح الطيب: ((وبها ولدت أنا وأبي
وجدي وجدُّ جدي، وقرأت بها ونشأت إلى أن ارتحلت عنها في زمن الشبيبـة إلى مدينـة
فاس سنة 1009))([13]).
نهل
المقري في مسقط رأسه من المعارف الكثيرة على جملة من العلماء والفقهاء وكان أشهرهم
عمُّه «سعيد المقّري»([14])
الذي يعدُّ ـ بحق ـ فقيه تلمسان وعالمَها ((ومن جملة ما قرأ عليه القرآن الكريم،
وصحيح البخاري، وروى عنه الكتب الستة بسنده عن الإمام أبي عبد الله التنسي، عن
والده محمد بن عبد الله التنسي عن عبد الله بن مرزوق عن أبي حيان، عن أبي جعفر بن
الزبير، عن أبي الربيع، عن القاضي عياض بأسانيـده المذكـورة في كتابه «الشفا في
التعريف بحقّ المصطفى» ودرس أيضا الأدب والفقه المالكي))([15]).
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 21 ديسمبر 2008 - 19:49 عدل 1 مرات
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 17:01 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:48 من طرف Admin
» رسام وشوم في اليابان يزلزل العالم ويعلن إسلامه بعد أن اكتشف سرا خطيرا في ورقة صغيرة
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:47 من طرف Admin
» من الالحاد الى الاسلام
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 16:45 من طرف Admin
» غرداية
الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 14:36 من طرف Admin
» مشاهير دخلوا الاسلام حديثا 13 من مشاهير العالم اعتنقوا الإسلام عام 2020
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 19:09 من طرف Admin
» مشاهير اعتنقوا الاسلام تعرفوا عليهم Celebrities who converted to Islam recognized them
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 18:52 من طرف Admin
» الطريقة الصحيحة للمراجعة لشهادة التعليم المتوسط || الطريق إلى معدل 18 BEM DZ
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:51 من طرف Admin
» طرق المذاكرة للاطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:48 من طرف Admin
» طرق المذاكرة الصحيحة مع الأبناء - 6 طرق ذكية للمذاكرة الصحيحة مع الأطفال
الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 15:45 من طرف Admin
» فيديو نادر: الجزائر قبل 90 سنة
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:34 من طرف Admin
» حقائق حول مقتل محمد شعباني أصغر عقيد في الجزائر-30 يوم تحقيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:32 من طرف Admin
» المؤرخ محمد لمين بلغيث يكشف أمور خطيرة عن الحراك و غديري و توفيق
الأربعاء 20 مايو 2020 - 18:26 من طرف Admin
» الجريمة السياسية.. اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:46 من طرف Admin
» ذكرى مؤتمر الصومام و جدلية السياسي و العسكري
الأربعاء 20 مايو 2020 - 17:39 من طرف Admin